السبت، فبراير 27، 2010

مسألة منتصر القفاش


مسألة وقت

غواية الواقع والخيال



المسألة بالفعل مسألة وقت

ربما جاءت هذه الكتابة متأخرة قليلا .. أفكر في هذا الآن وأنا أستحضر عامل الزمن الذي أصبح بطلا في حياتي وليس فقط في رواية مسألة وقت للروائي والقاص منتصر القفاش.

بعدما قرأت الرواية أخذت أسأل نفسي: هل يجب أن نموت حتى ندرك قيمة حياتنا؟ هل يمكن ان يمنحنا الموت فرصة لم تمنحها لنا الحياة؟ أمنياتنا وأحلامنا المؤجلة كم من الوقت يجب أن نضيع حتى نسعى لتحقيقها؟

إن عودة رنا بعد موتها قد يحمل لي كقارئة رسالة بأهمية الوقت في تدارك حياتنا، مما يضطرني لأن أكون يقظة على الدوام بمسألة الوقت. في هذه الحالة يصبح الزمن بطلا ليس في رواية منتصر فقط، وإنما في حياة القارئ أيضا.

بوعي من يدرك بأنه لا وقت لدينا، يبدأ منتصر الرواية وكأنة يحكيها من الوسط لا يضيع وقتا في سرد بدايات بعيدة ... يقودك مباشرة إلى هدف قد لا تدركه في البداية، لكنه يدركه ويسحبك إليه حتى تصبح متواطئا معه، هكذا تجد نفسك حائرا مثل البطل يحي الذي اشتق اسمه من الحياة، لتفكر لماذا اختارته رنا لتعود إليه بعد الموت، وكأنه رمزا للحياة التي لم يسعفها الوقت لتعيشها.

تفكر في كل هذا وانت تقرأ الرواية، بدلا من أن تفكر في عدم معقولية الحدث. ولأن المسألة مسألة وقت، يقودك الراوي إلى الهدف دون أن يضيع وقته ووقتك في تصنيع اللغة. لم تتحمل الرواية لغة سرد معقدة في التعامل مع موضوع غير واقعي. لذا كان السرد البسيط هو أقصر الطرق لإقناع القارئ بمعقوليته، حتى أن القارئ يشعر بأنه يقرأ حكاية كتبت في يوم واحد بل في جلسة واحدة.

هذه اللغة السهلة والخالية من التزويق جعلتني أسأل نفسي في البداية : ما الجديد هنا؟ ولكني بعدما تجاوزت عدة صفحات من الرواية، قرأت مقطعا جعلني أغير رأيي تماما :

" إلا إذا اعتبر إحساسها بأنها ند له في الدرس سببا يرجعها إليه بعد موتها. الموتى لا يفكرون بطريقته وبالتالي أسبابهم مختلفة عما يفكر فيه وقد يرون مالا يراه"

هكذا بدأت أدرك المصيدة التي وضعني بها الكاتب، فقد وجدت نفسي أؤمن ـ مثل البطل ـ بأن الموتى يفكرون بعد الموت ولكن ليس بطريقتنا، وأنهم يعودون إلينا ولعودتهم أسباب خاصة لا يمكن التكهن بها.

ولأن المسألة مسألة وقت مرة أخرى، لا تضيع الرواية وقتا في رسم فانتازي للموت والبعث، بل تختصر هذا وتتعامل مع الحدث كأمر مسلم به في وسط الحدث، دون أن تنشغل بلعبة الخيال والحقيقة، حيث لا فاصل دقيق واضح يخرجك من هذا لذاك، حتى أنه يجعلك تقسم أن هذا ما قد حدث بالفعل في الواقع، بعدما دخلت عالم البطل الذي لا يريد أن يعترف بأنه خيال.

بهذا لا تجد نفسك مضطرا لأن ترهق نفسك بالتفكير في منطقية الحدث، بعدما تنشغل مع البطل في إيجاد مبررات منطقية لحدث غير منطقي .

يجعلنا منتصر نؤمن أن الفارق بين الواقع والخيال شعرة واهية، وأن هذه الشعرة تتلاشى عندما يمكن تصوره. هكذا يتحول الخيال إلا واقع ليس بسبب احتمالية وقوعه وإنما بسبب إمكانية تصوره . وقد حققت الرواية هذا عندما حققت تعاطفك وبالتالي تآمرك مع البطل. هذه هي الإضافة التي يضيفها الأدب إلى القارئ والتي تشعره بجمالية الفكر، وتجعل من الخيال حيوات أخرى نعيشها.




نشرت بموقع الكتابة الجديدة

ليست هناك تعليقات: