الأربعاء، يونيو 11، 2008

مجتزأ من روايتي


ـ لقد صدقت الرؤيا ... سبع سنوات منذ ظهرت لك وأنت صامدة .. الآن أعطك العهد ...هيا افتحي يديك
في ذهول ـ ودون أن أفكرـ فتحت يدي، كانت لا تزال تمسك بالبطاقات التي تلقيتها من أنحاء متفرقة وكنت قد نسيت وجودها بها، عندما تساقطت على الأرض سألني هل تعرفين ما العهد ؟
ليست المرة الأولى التي أمنح فيها عهدا. أول مرة سمعت بها هذه الكلمة شعرت برغبة جارفة في المعرفة، وأحسست بأن المعرفة التي أنشدها مصحوبة بغموض له نكهة السحر، ووجدتني منجذبة إلى عالم له هذي الصفات، عالم قد يكون له من النبل المتوارث ما يجعلني أحمل الأمانة إلى من بعدي بفخر، مثلما حملها من قبلي .... بمسؤولية نتناقلها عبر الأجيال.
هذا ما جعلني أرتعش وأنا أردد نص العهد لأول مرة وراء ذلك الرجل في خشوع . كان قد أمسك يدي اليمنى بيمناه، وباليد الأخرى ناولني الثعبان.. طويلا، أملسا مثل العصا التي يمسك بها. قال رددي ورائي:
ـ منك آخذ العهد وأقبله ... منك أتسلمه، وإلى من بعدي أوصله. أن لا أؤذيك ولا تؤذني ... محرم علي قتلك بيدي، ومحرمة سمومك على دمي.
كانت أمي تراقبني وقد اتسعت عيناها في فزع، تنظر إلى الثعبان بتوجس، تخشى اللحظة التي يبث فيها سمه في يدي، وعندما رأته وهو يلتف حول عنقي، وأنا أحرك أناملي على جسده الأملس، ازدادت عيناها اتساعا.
ـ ليس هذا بعجيب على من كان جدها رفاعيا.
رفاعي ... نعم، وقد كنت أراه وهو يسير فوق السيوف الممتدة على الأعناق وأتعجب، كيف يدوسها بقدميه فلا تنقطع أعناقهم ؟!
لأنه رفاعي لم تكن تقنعني، ولكنها كانت كافية لأن أعتقد أن الرفاعية يملكون أثمن ما في هذا العالم، القدرة والمعرفة.
مشاهد قليلة أذكرها عن جدي، لكنها جميعا تتوارى خلف صورته وهو يغسل في طشت من نحاس أصفر، جالسا مفتوح الساقين، يتدفق الماء من أعلى رأسه إلى حيث يجلس بينما تدلت أعضاءه في إذلال. نظرت يومها من فتحة الباب لأرى عمتي ونسوة يلتحفن السواد يقمن بإهدار الماء على رأسه، بينما نقطة من الدم الأحمر تسقط من مجرى البول لتذوب في المياه المحيطة به. تطفو هذه الصورة مصحوبة برائحة عطر جنائزي، العطر الذي خرج من الصندوق وأنا أقف بجوار باب الحديقة، أراقب الأيدي تمتد لتضعه بداخله، أتعجب في صمت : كيف لمن امتلك القدرة والمعرفة أن يقترب منه الموت ؟! كيف يموت وهو رفاعي ؟!